الحديث الثالث
"أركان الإسلام"
عَن أبِي عَبدِ الرَّحمَنِ عَبد الله بنِ عُمر بنِ الخطاب رضي الله عنهما قال: سَمِعتُ النَّبيَ يَقُولُ:" بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَ إِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَحَجِّ البيت وصوم رَمَضَانَ "( ).
ترجمة الراوي
هو عبد الله بن عمر بن الخطاب ، أبو عبد الرحمن ولد في السنة الثانية للهجرة أسلم مع أبيه وهو صغير ولم يبلغ الحلم ، رده النبي يوم بدر وأحد لصغر سنه رحمة به وإشفاقاً ولم يقبله مجاهداً في سبيل الله حتى أتم خمسة عشر عاماً فحضر غزوة الخندق لم يختلف بعدها في غزوة أو سرية ،وهو من المكثرين من رواية الحديث روى (2630) حديث ، وهو أحد العبادلة الأربعة ، توفي سنة 73 هـ.
المعني العام
لقد أُتى النبي جوامع الكلم، وآتاه الله من الفصاحة والبلاغة ما يشهد له الأولون والآخرون ، فعندما أراد أن يوضح لنا أركان الإسلام بطريقة واضحة راسخة شبه الإسلام بالبنيان الذي يقوم على أركان وأوتاد ، فقال: بني الإسلام على خمس، أي أن بنيانه كانت على خمسة أركان لا يقوم إلا بها وإن سقط ولو ركن واحد منها، فهذا تهديد لسقوط البنيان بأكمله ، ثم شرع بتوضيح هذه الأركان باللسان والتصديق بالقلب، والعمل بمقتضاها ، ثم ذكر إقامة الصلوات الخمس المفروضة أداؤها والمداومة عليها على أحسن إقامة وعلى أفضل مداومة.
ثم ذكر إيتاء الزكاة المفروضة على أموال الأغنياء حقاً لمستحقيها في وقت مخصوص بل على وجه مخصوص ، ثم ذكر الحج على كل مسلم ومسلمة مستطيع وأداءها كما أمر الله، ثم ذكر صوم رمضان بكل ما يقتضيه الصيام من الإمساك عن المفطرات والقيام والاحتساب ، فهذه أركان بنيان الإسلام التي يجب على كل مسلم الالتزام بها حتى يكون مسلما حقاً ( ).
المباحث العربية
بني: من بنى ينبني بناء ، يقال بنى فلان بيتا من البنيان.
إقام الصلاة: أي أداء الصلوات الخمس ، وتعديلها والمداومة عليها.
إيتاء الزكاة: أي اعطائها للفقراء، وإخراج جزء من المال على وجه الخصوص.
الحج: في اللغة القصد.
وفي الشرع: قصد مخصوص في وقت مخصوص إلى مكان مخصوص.
صوم رمضان: الصوم لغة: الإمساك.
وفي الشــرع: الإمساك عن المفطرات الثلاث (الأكل- الشرب- الجماع) نهاراً مع النية.
ورمضان هو الشهر التاسع من السنة.
الشرح والبيان
مسائل وأحكام
المسألة الأولى:
الأربعة المذكورة مبنية على الشهادة إذ لا يصح شيء منها إلا بعد وجودها فكيف يضم مبني على مبني عليه في مسمى واحد؟
الجواب:
إذا كان بناء أمر على أمر ينتج عنه بناء أمر آخر فهذا مسوغ وجائز.
فإن قيل: لابد وأن يكون المبني مخالف للمبني عليه فلماذا بني شيئين ليسا مختلفين على بعضهما؟
يجاب عنه: بأن المجموع غير من حيث الانفراد ، عين من حيث الجمع فالإسلام بالنظر إلى مجموعه شيء واحد ، وبالنظر إلى أفراده أشياء فالإسلام أصل،والأركان تبع وتكملة.
المسألة الثانية:
لماذا لم يذكر الجهاد؟
الجواب:
لأنه فرض كفاية،ولا يكون (عين) إلا في أحوال مخصوصة ، ولهذا قال ابن عمر عندما سأله حكيم بن حزام قائلاً: ألا تغزو: فقال ابن عمر في آخر الحديث :"وإن الجهاد من العمل الحسن" كما في رواية عبد الرازق في مصنفه.
وقد زعم من قال إن هذا الحديث كان أول الإسلام قبل فرض الجهاد لذلك لم يذكر الجهاد؟، ونرد عليه بأن الجهاد فرض قبل السنة الثانية والصيام في السنة الثانية أي بعد الجهاد ، وكذلك الزكاة ،وهذا يدل على أن الحديث ذكر بعدما فرضت كلها من جهاد وصيام وزكاة وحج وليس أول الإسلام.
المسألة الثالثة:
لماذا لم يذكر الإيمان وأركانه والإحسان في هذا الحديث؟
الجواب:
لأن مقتضى الشهادتين تستوجب التصديق بكل ما جاء به نبينا محمد من ربه وهو يستلزم جميع المعتقدات.
ما هو شرط الباقلاني في صحة الإسلام؟
هو تقديم الإقرار بشهادة التوحيد على الإقرار بشهادة الرسالة.
المسألة الرابعة:
قدم الحج على الصوم في هذه الرواية، وفي رواية أخرى قدم الصوم على الحج على ماذا يدل؟
الجواب:
يدل على جواز رواية الحديث بالمعنى، أما القول بظن ابن عمر سمع من النبي تقديم الحج على الصوم ثم تقديم الصوم على الحج بأن قال له:" لا صيام رمضان والحج" فهو قول مستبعد ، لأنه ممكن أن يقع النسيان من الراوي عن الصحابي، أما وقوعه من الصحابي نفسه فهو محال.
المسألة الخامسة:
ما وجه الحصر على هذه الخمسة؟
الجواب:
أن العبادة إما قولية ،وهي الشهادة ، أو غير قولية إما تركي أو فعلي وهو الصوم، أو بدني وهو الصلاة ،أو مالي وهو الزكاة، أو مركب من مالي وبدني وهو الحج( ).
المسألة السادسة:
هذه هي أركان الإسلام ، فما هو الإسلام كتعريف؟
الجواب:
الإسلام في اللغة: الاستسلام.
وفي الشرع : هو الاستسلام لله والانقياد له بالطاعة بفعل الأوامر وترك النواهي والخضوع له، والبراءة من الشرك وأهله.
الفوائد
1. أن هذه الأركان الخمسة من فروض الأعيان لا تسقط بإقامة البعض عن الباقيين.
2. أن الشخص لا يكون مسلما عند ترك شيء منها ، ولا يعني هذا أنه يكفر إذا ترك شيئاً منها.
3. العمل شرط لكمال الإيمان ، لذلك قال بعد الإقرار بالشهادتين ،و إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج والصوم ، وكل هذه أعمال ،ولا يصح الإسلام إلا بها.
4. تقديم الإقرار بالتوحيد على الإقرار بالرسالة شرط لصحة الإسلام .
5. الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
6. الحكمة العظيمة في أركان الإسلام أنها بذل المحبوب: في الزكاة، والكف عن المحبوب: في الصيام.
7. تنوعت دعائم الإسلام على أوجه متنوعة تكميلاً للامتحان.